الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.عود قابوس إلى جرجان وطبرستان. ولما ولي سبكتكين خراسان وعد قابوس برده إلى ملكه جرجان وطبرستان ثم مضى إلى بلخ فات سنة سبع وثمانين وثلثمائة فأقام قابوس إلى سنة ثمان وثمانين وثلثماثة فبعث الأصبهبذ إلى جبل شهريار وعليه رستم بن المرزنجان خال مجد الدولة وجمع له فقاتله وانهزم رستم واستولى أصبهبذ على الجيل وخطب فيه لشمس المعالي قابوس وكان نائب ابن سعيد بناحية الاستنداويه وكان يميل إلى شمس المعالي فسار إلى آمد وطرد عنها عسكر مجد الدولة واستولى عليها وخطب فيها القابوس وكتب إليه بذلك ثم كتب أهل جرجان إلى قابوس يستدعونه فسار إليهم من نيسابور وسار أصبهبذ وباتي بن سعيد إليها من مكانهما فخرج إليهما عساكر جرجان فقاتلوهما فانهزم العسكر ورجعوا إلى جرجان فلقوا مقدمة قابوس عندها فانهزموا ثانية إلى الري ودخل شمس المعالي قابوس جرجان في شعبان سنة ثمان وثمانين وثلثمائة وجاءت العساكر من الري لحصاره فأقاموا ودخل فصل الشتاء وتوالت عليهم الأمطار وعدمت الأقوات فارتحلوا وتبعهم قابوس وقاتلهم في فهزمهم وأسر جماعة من أعيانهم وملك ما بين جرجان واستراباذ ثم إن الأصبهبذ حدث نفسه بالملك واغتر بما اجتمع له من الأموال والذخائر فسارت إليه العساكر من الري مع المرزبان خال مجد الدولة فهزموه وأسروه وأظهروا دعوة شمس المعالي بالجيل لأن المرزبان كان مستوحشا من مجد الدولة فانضافت مملكة الجيل جميعا إلى مملكة جرجان وطبرستان وولى عليها قابوس ابنه منوجهر ففتح الري وايات وشالوش وقارن ذلك استيلاء محمود بن سبكتكين على خراسان فراسله قابوس وهاداه وصالحه على سائر أعماله..مقتل قابوس وولاية ابنه منوجهر. كان شمس المعالي قابوس قد استفحل ملكه وكان شديد السطوة مرهف الحد فعظمت هيبته على أصحابه وتزايدت حتى انقلبت إلى العتو فأجمعوا على خلعه وكان ببعض القلاع فساروا إليه ليمسكوه بها فامتنع عليهم فانبهوا موجوده ورجعوا إلى جرجان وجاهروا بالخلعان واستدعوا ابنه من طبرستان فأسرع إليهم مخافة أن يولوا غيره واتفقوا على طاعته بأن يخلع أباه فأجاب إلى ذلك كرها وسار قابوس من حصنه إلى بسطام يقيم بها حتى تضمحل الفتنة فساروا إليه وأكرهوا منوجهر على المسير معهم وينفرد هو للعبادة بقلعة ابخيا وأذن له أبوه بالقيام بالملك حذرا من خروجه عنهم وبقي المتولون لكبر تلك الفتنة من الجند مرتابين من قابوس وكتبوا من جرجان إلى منوجهر يستأذنونه في قتله ولم ينتظروا رد الجواب وساروا إليه فدخلوا عليه البيت وجردوه من ثيابه فما زال يستغيث حتى مات من شدة البرد وذلك سنة ثلاث وأربعمائة لخمس عشرة سنة من استيلائه وقام بالملك ابنه منوجهر وخطب له على منابره ولم يزل في التدبير على الرهط الذين قتلوا أباه حتى أباد كثيرا منهم وشرد الباقين..وفاة منوجهر وولاية ابنه أنوشروان. ولما سار محمود بن سبكتكين سنة عشرين وأربعمائة عندما قبض حاجبه على مجد الدولة وملك الري بدعوة محمود وسار إليه محمود فهرب منوجهر بن قابوس من جرجان وبعث إليه بأربعمائة ألف دينار ليصلحه وتحصن منه بجبال وعرة ثم أبعد المذهب ودخل في الغياض الملتفة وأجابه محمود فبعث إليه منوجهر بالمال ونكب عنه في رجوعه إلى نيسابور ثم توفي منوجهر إثر ذلك سنة ست وعشرين وأربعمائة وولي بعده ابنه أنوشروان فأقره محمود على ولايته وقرر عليه خمسمائة ألف أميري وخطب لمحمود في بلاد الجيل إلى حدود أرمينية ثم استولى مسعود بن محمود أعوام الثلاثين على جرجان وطبرستان ومحا دولة بني قابوس كأن لم تكن والبقاء لله وحده..الخبر عن دولة مسافر من الديلم باذربيجان ومصايره. كانت أذربيجان عند ظهور الديلم وانتشارهم في البلاد واستيلائهم على الأعمال أعوام الثلاثين والثلثمائة بيد رستم بن إبراهيم الكردي من أصحاب يوسف بن أبي الساج وكان من خبره أن أباه إبراهيم من الخوارج من أصحاب هرون الشادي الخارج بالموصل هرب بعد مقتله إلى أذربيجان وأصهر في الأكراد إلى بعض رؤسائهم فولد له ابنه رستم ونشأ في أذربيجان ولما كبر استضافه ابن أبي الساج وتنقل في الأطوار إلى أن استولى على أذربيجان بعد يوسف بن أبي الساج وكان معظم جيوشه الأكراد ولما استولى الديلم على البلاد وملك وشمكير الري وولى أعمال الجيل لشكري وجمع الأموال والرجال وسار لشكري إلى أذربيجان ليملكها سنة ست وعشرين وثلثمائة وحاربه دسيم في بعض جهات أذربيجان واستولى لشكري على سائر بلاد أذربيجان إلا أردبيل فإن أهلها امتنعوا ثقة بحصن بلادهم وراسلهم فلم يجيبوه وحاصرها وشد حصارها وثلم سورها وملكها أياما يدخل نهارا ويخرج إلى عساكره ليلا ثم سدوا ثلم السور وامتنعوا وعادوا إلى الحصان واستدعوا دسيما فجاء لقتال لشكري من ورائه وناشبته أهل أردبيل القتال من أمامه فانهزم وقتل عامة أصحابه وتحيزوا إلى موقان واستنجد أصبهبذ بن دوالة فجمعوا وساروا إلى دسيم فانهزم أمامهم وعبر نهر أرس وقصد وشمكير في الري واستنجده وضمن له مالا كل سنة فبعث معه عسكرا واستمال عسكر لشكري فداخلوه وكاتبوا وشمكير بالطاعة وعلم بذلك لشكري فتأخر إلى الزوزن عازما على الموصل أن يملكها ومر بأرمينية فنهب وسبى ولما انتهى إلى الزوزن لقيه بعض الرؤساء من الأرمن وصانعه بالمال على بلده حتى كف عنها وأكمن له في مضيق بطريقه ودس لبعض الأرمن أن ينهبوا شيئا من ثقله ويسلكوا المضيق وكتب لشكري في أثرهم فقتله الكمين ومن معه وقدم أهل العسكر عليهم ابنه الشكرستان ورجعوا إلى بلد الطرم الأرميني ليثأروا من الأرمن بصاحبهم وكان أكثر بلده مضايق فقاتلهم الأرمن عليها وفتكوا فيهم ولحق العسكر والشكرستان في الفل بالموصل فأقام بها عند ناصر الدولة بن حمدان وكانت له معادن أذربيجان وولى عليها ابن عمه أبا عبد الله الحسين ابن سعيد بن حمدان وبعث الشكرستان وأصحابه فقاتلهم دسيم على المعادن وغلبهم عليها ورجعوا واستولى دسيم على أذربيجان.
|